مهام الشرطة القضائيةخلال إجراءات البحث في حالة التلبس بالجريمة
ماهية التلبس بالجريمة
التلبس بالجريمة حالة ممتازة ودليلا ماديا على مخالفة القانون ، يتطلب إجراءات سريعة وتدخلا فوريا لجمع الأدلة والقيام بالتحريات الضرورية المستعجلة لإستجماع عناصر الجريمة والحيلولة دون اندثارها أو ضياعها ، ويتطلب التليس بالجريمة مسطرة خاصة ، يتمتع فيها ضابط الشرطة القضائية بهامش كبير من الحرية في البحث والتحري ، بدءا من الانتقال الفوري والإيقاف والتفتيش والحجز والوضع تحت الحراسة النظرية ، وما يترتب عليها من آثار قانونية تمس ضائات المشتبه فيه وقريئة البراءة وقد خص المشرع المغربي البحث التمهيدي في حالة التلبس بالجريمة المواد من 56 إلى 77 من قانون المسطرة الجنائية ، وحدد طبيعة ونوعية الإجراءات التي ينبغي لضابط الشرطة القضائية الاضطلاع بها والتقيد بمقتضياتها .
وقبل التعرض لمختلف هذه الإجراءات المسطرية المنظمة للبحث التمهيدي في حالة التلبس بالجريمة ، سوف تتعرض أولا لماهية التلبس بالجريمة وتمظهراتها وحالاتها كما حددها المشرع في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية ، للعرض بعد ذلك إلى مجمل المعاينات والعمليات والإجراءات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية إن الجريمة المتليس بها هي التي تشاهد وتعاين أوقاتها أو يضبط فاعلها أثناء اقترافه لها أو بعد تنفيده لها بوقت وجيز فالتلبس على هذا النحو حالة مغايرة تماما للحالة العادية .
وهو ما جعل المشرع يخصص لها 22 مادة من قانون المسطرة الجنائية المواد من 56 إلى77 .
حالات التليس :
طبقا للمادة 56 من قانون المسطرة الجنائية فإنه تتحقق حالة التليس بجناية أو جنح.
أولا : إذا ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها .
ثانيا : إذا كان الفاعل ما زال مطاردا صباح الجمهور على إثر ارتكابها .
ثالثا : إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب الفعل حاملا أسلحة أو أشياء يستدل معها أنه شارك في الفعل الإجرامي ، أو وجد عليه آثار او علامات تثبت هذه المشاركة.
يعد بمثابة تلبس بجناية أو جنحة.
ارتكاب جريمة داخل منزل في ظروف غير الظروف المنصوص عليها في الفقرات السابقة إذا التمس مالك أو ساكن المنزل من النيابة العامة أو من ضابط للشرطة القضائية معاينتها " .
ومن خلال قراءة المادة أعلاه يتبين أن يكن التليس بجناية أو جنحة يتمظهر في ضبط الفاعل سواء أثناء ارتكابه الجريمة أو بمجرد ارتكابه ، وأن عملية الضبط تثبت بالمشاهدة والمعاينة مباشرة ، أو مشاهدة آثارها الظاهرة بعد لقياد مرور زمن قصير على وقوعها ، أو يكون مرتكبها لا زال مطاردا بصياح الجمهور ، أو الحالة التي تحصل فيها الجنحة أو الجناية داخل منزل ويطلب صاحبه من النيابة العامة أو من الشرطة القضائية معاينتها .
وتجدر_الإشارة إلى أن التقارب الزمني(المدة الزمنية) بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها يبقى_حاسما في إصباغها_بطابع التلبس .
أولا : ضبط الفاعل أثناء ارتكابه الجريمة أو على إثر ارتكابها : المقصود بهذه الحالة الأولى هو معاينة مرتكب الجريمة أثناء ارتكابه لها أو مباشرة عند الانتهاك منها أي أثناء تنفيذ الفاعل للجناية أو الجنحة ، أو أثناء محاولة تنفيذها ، أو بمجرد الانتهاء منها ، والمعاينة أو المشاهدة الأصل فيها أن تكون من لدن ضابط الشرطة القضائية إلا انه قد يخبر بارتكابها من لدن الغير كالمجني عليه أو الشهود شريطة أن ينتقل الضابط على وجه السرعة إلى مسرح الجريمة للوقوف على حالة التلبس ، (ويلعب عامل_الزمن دورا_حاسما في هذه الحالة لأن المشاهدة " الضبط " يجب أن تحصل أثناء_ارتكاب الجريمة أو بعد ارتكابها مباشرة أو عند محاولة تنفيذها) .
ثانيا : الحالة التي يكون فيها الفاعل مطاردا بصباح الجمهور على اثر ارتكاب الجريمة : هذه الحالة تفترض أن الفاعل قام بارتكاب الجريمة وهو ما يزال مطاردا يصباح الجمهور ، بمعنى أنه لم يتم ضبطه وإيقافه بمكان ارتكاب الفعل الجرمي ، وهذه الحالة من حالات التليس يطلق عليها الفقه حالة " التليس المفترض " ، (وهذه الحالة لها ارتباط بالحالة الأولى) (لاسيما وأن العامل الزمني_والظرفي حاضر بقوة) ولان صياح الجمهور_يعقب مباشرة ارتكاب الجريمة " إذ يفترض أنها حصلت في ظروف تحيطها ملابسات وقرائن ، تؤكد الشبهة القائمة في حق الفاعل "
. وتتحقق هذه الحالة بقيام العامة أو الجمهور بتتبع مرتكب الجريمة مع الصباح إثر وقوعها ، فالقانون يتطلب هذا توافر شرطين لتحقق هذه الحالة : الصباح والمطاردة وتتحقق حالة التلبس ولو كانت المطاردة من شخصين أو ثلاثة ويرى جانب آخر من الفقه أن المطاردة يمكن أن تكون من شخص واحد سواء من طرف الضحية أو من الغير لأن خصائص يمكن أن تكون من شخص التليس تبدو واضحة في كلا الحالتين ، وأن كلمة صباح الواردة في النص لا تفيد قيدا إلزاميـا القيـام حـالـة التليس فيستوي أن يكون المطـارد أو المطاردون يصبحون أو لا ينطقون بكلمة كان يسيرون وراء الفاعل ويكتفون بالإشارة إليه أو إلى مكان اختبائه .
ثالثا : تواجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكابه الجريمة ومعه اسلحة أو أشياء تدل على مشاركته في الجريمة علامات.
يلاحظ أن المشرع في هذه الحالة ركز على وضعية الفاعل ، والذي اعتبره محور وصف التليس ، على الفعل الجرمي الذي يشكل جناية أو جنحة من خلال الاستدلال باسلحة أو أشياء أو آثار أو علامات تدل على اقترافه الجريمة ، عكس ما سبق أن رأينا في الحالتين السابقتين من التدليل على حالة التلبس من خلال المشاهدة المادية لارتكابها ، ففي الحالة_الأولى تكون لحظة المعاينة {فورية أثناء ارتكاب الجريمة أو بعد ارتكابها مباشرة} أما الحالة الثانية فيكون الفاعل قد {ارتكب جريمته وفرغ منها منذ مدة_قصيرة وهو مطارد_بصباح الجمهور} .
في حين يتأخر معرفة الجاني لمدة قد تقصر وقد تطول إلا بعد اكتشاف أدلة إدانته ، تفيد قطعا علاقة الجاني بالجريمة المرتكبة لزمن يسير ، وتحقق شرط الزمن القصير يعود للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع ، استنادا لظروف وملابسات القضية ، وتجدر الإشارة أن عبارة " حاملا أسلحة أو أشياء " وردت على سبيل المثال لا الحصر.
رابعا : وقوع الجريمة داخل منزل التمس صاحبة التنبت منها : هذه الحالة أوردها المشرع وأسبغ عليها وصف التليس ، ولا تخضع لشروط الحالات الثلاث ، وتحقق بوقوع الجناية أو الجنحة داخل منزل وأن يلتمس صاحبه من النيابة العامة أو أحد ضباط الشرطة القضائية التثبت منها ، ويؤخذ (صاحب المنزل بمفهومه القانوني والواقعي) ، أي المالك والمكتري ، أو من يقوم مقامها من( الأزواج والأولاد وحارس_البيت أو المكلف بالعناية به كالخادم أو البواب) .
الشروط العامة لتحقق حالة التليس :
هناك مجموعة من الشروط العامة تسري على كل حالات التلبس وهي :
1- أن يتعلق الأمر بجناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس .
2- أن تتوفر إحدى حالات التليس الأربعة .
3- أن تحصل تحصل المشاهدة من قبل ضابط الشرطة القضائية .
4- أن تتم المشاهدة بصورة مشروعة.
الشرط الأول : أن يتعلق الأمر بجنابة أو جنحة معاقب عليها بالحيس :
لا يمكن تصور التليس إلا بالنسبة للجنايات والجنح المعاقبة بعقوبة الحبس ، وكر من دائرته الأفعال التي تشكل مخالفات والجنح المعاقب عليها بغرامة .
في هذا الإطار نصت المادة 70 من قانون المسطرة الجنائية بسريان مقتضيات المادة 57 بها إلى المادة 69 على قضايا التلبس بالجنح في جميع الأحوال التي ينص فيها القانون على( عقوبة_الحبس) , ونصت المادة 76 من نفس القانون أنه : " يحق في_حالة التلبس_بجناية أو جنحة_يعاقب عليها_بالحبس لكل شخص ضبط الفاعل_وتقديمه إلى أقرب ضابط_للشرطة القضائية " .
الشرط الثاني : أن تتوفر حالات التلبس الأربعة
لا يمكن الحديث عن وصف التلبس إلا يتوفر إحدى حالات التلبس الأربعة المنصوص من قانون المسطرة الجنائية ، لاسيما وأنها حالات أوردها القانون على سبيل الحصر وبالتالي لا يمكن التوسع في_تفسيرها أو القياس_عليها .
وبمفهوم المخالفة ، فإنه في حالة تعذر توفر إحدى هذه الحالات التفت صفة التليس وسقطت جميع الإجراءات والتدابير الاستثنائية الخاصة بها . ؟
الشرط الثالث : أن تحصل المشاهدة من قبل ضابط الشرطة القضائية.
مفاد هذا الشرط أن تقع المعاينة المادية من قبل ضابط الشرطة القضائية ، لإحدى حالات التلبس الأربعة المنصوص عليها في المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية , ومعنى ذلك أنه لا يمكن الاستعاضة عن مشاهدة ضابط الشرطة القضائية لحالة التليس بالجريمة.
الشرط الرابع : أن تكون المشاهدة مشروعة:
بمعنى أن معاينة ضابط الشرطة القضائية لحالة التلبس يجب أن تتم بطريق مشروع ، ووفق الأحكام ، والمقتضيات الجاري بها العمل بحيث يجب أن يكون في وضعية قانونية إزاء قيامه بمهامه ، وأن يتقيد بالقواعد الإجرائية التي نظمها القانون مع ما قد يترتب عن ذلك من آثار قانونية تعصف بجميع التدابير والإجراءات التي تم إتخاذها.

